الخميس، 27 فبراير 2014

حياة الشاعر السيد محمد سعيد الحبوبي


 
                                                        
السيد محمد سعيد الحبوبي عاش النقيضين                                                      بين العمامة و التشبيب بالحور وبنت الدنان
للمنقب المحايد عن حياة (محمد سعيد الحبوبي النجفي) يراه كان يمارس حياتين، حياة خلعت عليه صفات الفقيه فقد درس المواضيع الدينية في مدارس النجف فاعتمر العمامة واطلق اللحية في عصر عثماني لم يقوقع فقط الحوزات الدينية الشيعية ويجعل أئمتهم حبيسي النجف لا اتصال لهم غير ايران، مع قوقعة العراق بكامله لاربعة قرون فجعلوا العراق صحراء فكرية تسوده العمائم البيضاء، كانت كتبهم مخطوطات مكتوبة باليد لان المطبعة كانت حراما. وكان رؤساء العشائر الاميون ملوكا على الارض، لم يعرفوا الماء ولا الكهرباء. والعثمانيون جعلوا العراق صحراء فكرية كما جعلوا بيت الحكمة مربطا لخيول الانكشارية. اما الحياة الثانية التي مارسها (محمد سعيد الحبوبي) فهي الشاعر الرقيق الشعر (محمد سعيد الحبوبي) اذ نظم في الوجد والصبابة والهيام وكؤرس بنت الحان منها (هذه الصهباء والكأس لديـك  وغرامي في هـواك احـتنكا), في تناقض حياة (محمد سعيد الحبوبي) المعتمر بالعمامة وبين (محمد سعيد الحبوبي) شاعر الوجد والحب والهيام. شُغف الناس بـ (محمد سعيد الحبوبي) الشاعر لرقة شعره الذي اطربهم وشرح قلوبهم ونسوا (محمد سعيد الحبوبي) الآخر المعمم الملتحي. ولد (محمد سعيد الحبوبي) عام 1849 في النجف، وفي صغرة صحب والده في رحلة الى البادية فكانت الصحراء لـ (محمد سعيد الحبوبي) انفتاحا شعريا وتأجيجا لعواطفه حيث في الصحراء الصفاء والانبهار وهزات شعرية. الواقع ان اصحاب العمائم اعابوا على (محمد سعيد الحبوبي) قول شعر الحب والهيام، الا ان الدكتور محمد مهدي البصير يعلق قائلا (نظلم الحبوبي ظلماً فاحشاً إذا افترضنا أنّ قلبه لم يكن من القلوب التي يدخلها الحبّ, وأنّ طبعه لم يكن يستجيب، في يوم من الأيام، لما في الحياة من متعة ولذة وجمال). هنا يجيب (محمد سعيد الحبوبي) اللائمين قائلا (يا نازلي "الرمل" من "نجد" أحبكمو  وإن جرتم, ففيم هجرتم؟ فيما؟). (محمد سعيد الحبوبي) تعلم القراءة والكتابة والخط وحفظ القرآن على والده يوم لم تكن هناك مدرسة في العراق المعثمن  وكانوا يعتبرون المدارس اوجدها الكافرون الاوربيون. انصرف (محمد سعيد الحبوبي النجفي) إلى الأدب ومنابع اللغة العربية من (نحو، وصرف، وبلاغة) وبإشراف خاله الشاعر المعمم (الشيخ عباس الأعسم) الذي رأى علامات الموهبة باديةً على ابن أخته، فسرّ لذلك وتعهد أن يكون الراعي لهذا اليافع الذي حفظ هذا الصنيع بعدئذ لخاله فقال في مدحه (لي من مكارمه أبر أبوةٍ برّت, ولو قابلتها بعقـوق) ويقول مخاطباً خاله (مسددي للقصد إما رافعاً  علماً, وإما مرشدي للطريق).

للحبوبي إسهاماته الواضحة في حركة الشعر العربي العراقي، وكانت ذروة عطائه الشعري عندما بلغ الثلاثينات من عمره. وتُعَدّ موشحاته من أروع ما نظم  في الشعر، حيث غناها المحبون والمحبات وحفظت على القلوب. متابعوا الشعر العراقي يذكرون أنّ الشاعر (محمد سعيد الحبوبي) هجر الشعر في آخر أيامه فعندما كان الحبوبي يحضر مجلس أحد الفقهاء, عرضت قضية فقهية احتدم حولها الجدل والنقاش بين الحاضرين كان (محمد سعيد الحبوبي) صريحا  فاصر على صحة رأيه. فما كان من احد الفقهاء أن قال له بلهجة الانتقاص والتعيير (أين أنت من هذا؟ إنّما أنت تحسن أن تقول (يا غزال الكرخ وا وجدي عليك). فتألم الحبوبي من قوله واعتبره طعنة وازدراء, فصمم  ترك الشعر. لكنه لم بستطع فقال (تركت نظم القوافي ثم عدت له  مؤدياً لك فرضاً كان محتوماً).

بهذه الموشحة رقص وانطرب عاشقوا الشعر حيث يذكر فيها لمى الحبيبة العذب واقداح الخمر، التي ضمّها ديوانه بعنوان (هزت الزوراء أعطاف الصفا): 
يا غزال الكرخ وا وجدي عليك   كـاد سـري فيـك أن ينهتــكا
هذه الصهباء والكأس لديــك     وغرامـي في هـواك احــتنكا
فاسقني كأساً, وخذ كأساً إلـيك    فلذيــذ العـيش أن نشـــتركا
ثم ينشد فيقول:
أترع الأقداح راحاً قرقفا واسقني واشرب أو اشرب واسقني
ولماك العذب أحلى مرشفــاً    من دم الكـرم, ومــاء المــزن
(محمد سعيد الحبوبي) غدى عميد مدرسة شعريه تعتمد حلاوة الألفاظ ورقة المعنى، ولشعره سلطان على العواطف فيهزها وعلى المشاعر فيوقظها، أخذ من القديم التقليد في عمود الشعر وأساليبه، ومن الجديد أظرفه فبرع في صناعة الشعر بألوانه وأغراضه وبطرق مختلفة فمن موشحات إلى تخميس إلى مديح ورثاء ومراسلات. وفي كل ذلك تنساب عنده الألفاظ كالماء السلسبيل فيها العذوبة والرقة والإيقاع الموسيقي مكونة معزوفة تهز المشاعر والعواطف وتستهوي النفوس، فكثرت في شعره التشبيهات والاستعارات فنظم في الخمريات والغزل والحب رغم انه عاش في بيئة محافظة دينية تحرم الخمر ووصف الحبيبة. وهو يقول عن نفسه (غير أني رمت نهج الظرفا عفة النفس وفسق الألسن) قالها وكأنه مهزوم رغم ان كلماته لا تحمل الفحش ولا الفسق.
من ابدع موشحاته (ايها الساقي) أيّها الساقي:
أيّها الساقي ومن خمر اللمى                                                                                                                              نشوتي فاذهبْ ببنت العنَبِ 
أين هذا الخمر من ذاك الرضاب 
وهو عذب للمعنىّ وعَذاب 
فاسقنيها من ثناياها العَذاب 

واطفِ فيها من فؤادي الضرما 
واقض هذا اليوم فيها أرَبي 
قد فديتُ الغيد لمَّا أن بدتْ 
ولها الأغصان طوعا سجدت 
وبها الأقمار في الليل اهتدت 

مثل ما عادَ نهاري مُظلِما 
من أثيث الجعد يالِلعَجَبِ 
تعقد الزنار في حلّ العهود 
مذ أرتهم حسن هاتيك النهود 
ولها الأصنام قد خرْت سجود
اقتطع لكم بعضا مما نشره (نزال رياح الغزالي) من كتابات خيالية من عقل متحجر في مقال نشر على الانترنيت (بعث القادة الاتراك الى علماء الدين برقية هذا نصها:- الى علماء الدين في العراق – ثغر البصرة... الكفار محيطون به. الجميع تحت السلاح. نخشى على باقي بلاد الاسلام ساعدونا.) تصوروا هذا الهذيان من (نزال رياح الغزالي) ناسيا الاستعمار العثماني وما احدثة للشيعة والعراق. رغم انه يعترف (إذ قاسى علماء الشيعة وأتباعهم ومدنهم ومناطقهم من سلاطين العثمانيين وحكامهم وولاتهم وموظفيهم – الامرين ظلما وتعسفا وتجاهلا ومهانة حتى أنهم لم يعترفوا بالمذهب الجعفري). الواقع ان الشعب الشيعي آنذاك لم يكن له وجود فقد كانوا في سبات يسيرون خلف رجال الدين كالخراف. ولم يكن الكيان الشيعي   غير ممن هم اولا رجال الدين و ثانيا رؤساء العشائر اما الشعب الشيعي آنذاك كما قلت لم يكن له وجود فقد نومه العثمانيون كما نوموا شعب العراق فاندفع الشعب الشيعي النائم الى محاربة الانكليز (الكفار) بنداء رجال الدين وكانوا يملكون الكلمة العليا على شعب ينصاع كالخراف فيما يقوله اصحاب العائم واللحى. ولم يكمن لهم غير (المكوار) لهذا قالوا (الطوب احسن لو مكواري). الواقع ان الجيش العثماني لم يقف ساعة اما البواخر الحربية الانكليزية لان الجيش العثماني  كان آنذاك مزودا لـ (طوب ابو خزامة) و(جندرمة). ومما ذكره (نزال رياح الغزالي) في مقالته (كان محسن الحكيم من الاشخاص القريبين جدا على السيد الحبوبي مباشرة. لقد توفى السيد الحبوبي مقتولا بالسم وقد أيد ذلك تقرير الطبيب الهندي الذي حضر للفحص على جسد السيد لبيان أسباب الوفاة. الشك الذي يصل الى درجة اليقين كان يتهم "محسن الحكيم" بدس السم في طعام السيد الحبوبي من جميع الاشخاص المتواجدين في البيت لانه القريب عليه مباشرة والمشرف على حاجياته اليومية من ضمنها تقديم وجبات طعامه. وبعد قتل الحبوبي لم يعد "محسن الحكيم" الى النجف إلا بعد أن أمضى سبعة أشهر كاملة في الناصرية لحين إحتلال الانكليز مدينة الناصرية وبقي مع بقاء الانكليز في المدينة لتصفية حساباته معهم!!).  ثم قال (لقد قتل السيد الحبوبي من قبل المخابرات البريطانية التي جندت لهذا العمل محسن الحكيم.). ثم يتابع قائلا (ثم قبض محسن الحكيم مبالغ كبيرة من السفارة ا لامريكية في أنقرة حين أصدر فتوى (الشيوعية كفر والحاد) ثم (وأعقبها بإصدار فتوى تحريم مقاتلة الاكراد المتحالفين مع الشاه). ما قيل عن (ثورة العشرين) كتابات خيالية بقولهم ان الانكليز انسحبوا خاسئين. الانكليز لم ينسحبوا الا بعد اقاموا الملكية التي انشأت المدارس والمستشفيات والري وتقويم الزراعة. ومثلها الآن لم يعترف الشيعة بان الامريكيين حرروهم من الحكم الصدامي الجائر لان اصحاب العمائم والسوداء واللحي كانوا المرشدين بدفع من ايران على (مقاومة الكفار) ولو عقلوا منذ البداية لانتهى العراق الى قطر حامل (شعلة الحرية والازدهار) لو عقلوا لقالوا للامريكيين (شكرا لكم) لانكم حررتمونا من مجرم شرس كصدام. وكذلك فعل السنة اذ اصابتهم الهزة من سقوط (الحكم السني) فراحوا يقاتلون الامريكان بتحريض من اللادنيين ومنشورات الاقمار الاصطناعية والصحفيين المصريين فجرى القتل والسبي وانتهاك الاعراض ولم يعود البعض الى رشدهم الا بعد ان اصبح العراق قفرا ثم عادت البصرة والرمادي الى رشدها بعد ان احترق الزرع والضرع.

الواقع ان ما قاله (محمد سعيد الحبوبي) في الخمر وبنت الدنان انما واقع عاشته (النجف) في سراديبها فقد كانت مرتعا لاصحاب العمائم فحين يبدؤون صبحهم في الصلاة والقاء المواعض فانهم في اماسيهم يخلعون العمائم والجبب ويبداؤن باحتساء كؤوس الراح بين القيان والملاح حتى الصباح. كنت اعمل طبيبا بيطريا في الحلة الملحقة بها كربلاء والنجف وجدت ان (الاوتجي) في النجف كان يبيع (العرق العراقي) واضعا اياه في (تنكة النفط) وبالمضخة اليدوية القديمة يضخ (عرق مسيح) في القناني وكانه يبيع نفطا. وخلال علاقتي الصحفية مع الشيخ (عبد الجبار الاعظمي) تعرفت على امام من (مدينة الثورة) التي غدت (مدينة الصدر) كان لايستطيع النوم مساء الا بعد ان يحتسي ربعية (ماء النخلة). وخلال الحرب العراقية الايرانية كان الضباط يهربون (قناني العرق) ويبيعونه في ايران بدنانير عشر. على اي حال برحيل الشاعر المبدع (محمد سعيد الحبوبي) انتهى عهد لم يسبقه عهد ولم ياتي بعده عهد، بل كان عهدا مبدعا في التشبيب وشرح (قلوب المحبين) وعبدة (كؤوس الخمر اللألاءة) التي تحي القلوب وهي رميم. ابدع ماقاله (محمد سعيد الحبوبي) الشاعر المبدع  (اسقني كأسا وخذ كأسا اليك فلذيذ العيش ان نشتركا).

1 التعليقات:

  1. من المعيب على أي كاتب يحترم قلمه ان يستخدم طريقة التعميم من دون نظر و تأمل فيعمم ما يختلج في نفسه ليسقطه على واقع مفترض و هو ابعد ما يكون عنه. و هذا ما يقع فيه الدهماء من الناس الذين لا روية لهم في الامور. و الامر أدعى لمن يحتمل في نفسه شيء من الثقافة و حظ من العلم.
    فأن من المعروف أن مما تميز به السيد الحبّوبي ان اشارته الى المعاني و الاغراض المعروفة و المتداولة بين الشعراء لم تكن من واقع تجربة أو معايشة, كما أن حياة الحبوبي و اخلاقه معلومة لدى كل متتبع, و هذا ما يثبت تميز الشاعر من جهة وصف غيرالمحسوس و الملموس و ما ذلك الا نتيجة طبيعية لحس مرهف و شاعرية راقية متمكنة.

    ردحذف

تابعنا على

اختر لون الخلفية المناسب لك.

تستطيع تغيير خلفية الموقع حسب ما تريد بالضغط على اللون المراد تغييره.